
المحاضرة ألقاها د. عبد الواحد المتوكل باللغة الإنجليزية ويمكن الاطلاع عليها على الرابط
Toward a Better Understanding of the Thought and Position of Imam Yassine
وفي ما يلي ترجمة المحاضرة للغة العربية:
من أجل فهم أفضل لفكر ومواقف الإمام ياسين
سيداتي سادتي: السلام عليكم
كنت أود لو ألقي هذا الخطاب باللغة العربية، تلك اللغة التي أحس فيها بارتياح أكبر، لكن طُلب مني أن أستعمل الإنجليزية لأُمَكِّنَ غير الناطقين بها من الحاضرين من متابعة بعض المتحدثين بشكل مباشر.
فآمل أن أُبَلِّغ خطابي دون عناء.
اسمحوا لي أولا أن أعرف بنفسي.
أدعى عبد الواحد المتوكل
تعرفت على الإمام ياسين منذ 36 سنة تقريبا وأنا على اطلاع واسع بكل كتاباته وخطاباته، حتى إن الدكتوراه التي حصلت عليها مرتبطة جدا بموضوع هذا المؤتمر.
كما أني أعلم "سر" نجاحه في تأسيس جماعة تُعد اليوم أكبر تنظيم إسلامي في المغرب.
لذلك، أظن أن وضعي يؤهلني لأدلي ببعض النقاط التي لا يمكن تجاهلها حتى نفهم فكر ومواقف الإمام ياسين بصدد عدد من المواضيع الخلافية بما فيها موضوع هذا المؤتمر.
سأوزع مداخلتي إلى ثلاثة محاور:
الأول عن موضوع المؤتمر وأهميته في فكر الإمام ياسين.
عن مكتوبات وأسلوب الإمام ياسين وكيفية معرفة موقفه الحقيقي فيما يتعلق بموضوع المؤتمر.
عن مخاطر القبول بأنصاف النقد سواء أكان مشجعا أم مثبطا.
فدعونا نتطرق لكل محور على حدى.
أسباب اختيار موضوع التغيير لهذا المؤتمر.
أظن أن هناك أسبابا عديدة دفعت المنظمين لاختيار موضوع هذا المؤتمر.
لأنه الموضوع المهيمن في العالم العربي والإسلامي.
لاشك أن موضوع التغيير من أشد مواضيع الساعة جدلا في الدول العربية الإسلامية.
فحيثما توجهت إلى أي بلد من هاته البلدان تجد أن السؤال الأكثر إلحاحا فيها هو كيفية التخلص من أنظمة الحكم الشمولية التي تعد السبب الأساس خلف أهم المشاكل التي تواجهها تلك الدول.
تزخر الساحة بالعديد من الكتب والمقالات والبرامج التلفزية والإذاعية وتقارير المراكز البحثية ونقاشات الموائد المستديرة والمؤتمرات التي تعنى بموضوع الإصلاح؛ والنقاش مرجح أن يستمر لجلب انتباه مزيد من الناس من تخصصات متعددة داخل وخارج هاته البلدان.
لا عجب إذن والحالة هذه أن يعنى الإمام ياسين -وهو المفكر والعالم البارز- بهذا الموضوع منذ سنوات خلت.
لقد صرف الإمام مجهودا كبيرا مِن قَبْل أن يُقْدِمَ على تأسيس الجماعة حتى شَكَّلَ رؤيته الشخصية عن كيفية بلوغ التغيير المنشود وتجاوز المحن الآنية حيث تغرق معظم الدول العربية والإسلامية في مستنقع سوء التدبير والفساد.
أنا لا أقصد أن الرؤية المقترحة مثالية أو فوق النقد؛ وسواء أتفقنا أم اختلفنا معها جزئيا أو كليا، فما أود تأكيده أنها حازت تقدير كثير من الناس من داخل وخارج المغرب وبالتالي فهي جديرة بالدراسة.
وكما أشار هو نفسه في العديد من المناسبات إلى أن ما اقترحَه هو خلاصة سنوات طويلة من التدبر والقراءة والبحث العميق في تاريخ وثقافة العالم بالإضافة إلى تجارب التغيير لدول عديدة.
إن هدف منظمي هذا المؤتمر هو دعوة المفكرين والباحثين والناشطين لمعرفة جوهر هذا الخط التفكيري والاطلاع على مدى قدرته على إعطاء أجوبة معقولة للسؤال الملح المطروح على الساحة العربية؛ وهو كيف يتم تغيير الأنظمة الحكومية والمجتمع على نحو سلمي؟
2- نظريات مختلفة:
ما يجعل موضوع هذا المؤتمر ذا أهمية أنه أثار نقاشات مطولة ونظريات تختلف اختلافا كبيرا.
فالذين ينطلقون من زاوية نظر مدنية لهم أفكارهم ومفاهيمهم التي تختلف تماما عن أفكار ومفاهيم من ينطلق من زاوية نظر إسلامية.
جدير بالإشارة هنا أنه كلا التيارين المدني والإسلامي ليسا وحدةً متراصةً بل توجد اختلافات وتمايزات في الرؤى والأراء داخل كل تيار.
ولذلك فمن المهم للباحثين أن يتمهلوا كيلا يتخذوا أية استنتاجات متسرعة.
لنأخذ موضوع هذا المؤتمر مثلا.
يشمل الأمر استكشاف عدد من الأسئلة.
ماذا يقصد بالتغيير الذي تتحدث عنه وتنشده العديد من بلدان العالم العربي؟ كيف يتم تحقيقه؟ أيهما أكثر ملاءمة: التغيير بأسلوب يبتدئ من القمة أم من القاعدة؟ هل يجب التركيز على الإنسان أم نظام الحكم أم المجتمع؟ هل يحتاج التغيير إلى تطور أم إلى ثورة، إلى استمرار أم إلى انقطاع؟ ما هي العقبات التي يمكن أن تواجهها محاولات التغيير وما هي طبيعتها؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها؟
هذه أمثلة قليلة من أسئلة كثيرة ينبغي استكشافها من أجل معرفة موقف مختلف الأطراف فيما يتعلق بمسألة التغيير.
ونفس الشيء ينطبق على قضايا أخرى.
وسوف يجد الكُتاب والباحثون في كتابات الإمام ياسين ما يكفي من المواد ليكون قادر على تقييم مساهمته في مناقشة التغيير الحالي، فضلا عن القضايا المعاصرة الأخرى.
3- سياسة القمع وعواقبه
لا يعرف الناسُ في الخارج الكثير عن فكر الإمام ياسين، ولا سيما آراءه فيما يتعلق بالإصلاح الاجتماعي والسياسي في المغرب.
وهذا راجع لأسباب متعددة.
أولاً، اعتماد السلطات المغربية سياسة الحصار منذ البداية، حين أقدم في عام 1979 على نشر أفكاره في أوائل أعداد مجلة الجماعة التي سرعان ما تم إغلاقها.
كما صدرت أوامر لدور الطباعة بعدم التعامل معه.
لقد بُذلت الكثير من الجهود للالتفاف على هذه القيود، ولطبع وتوزيع كتبه بشكل مباشر.
وعلى الرغم من تحسن الوضع قليلاً في وقت لاحق بسبب البدائل التكنولوجيات الجديدة في أن ينشر المرء أفكاره، فإن السلطات المغربية لم تفقد أبدا الأمل في خنق ما يعتبرونه صوتا مثيرا للقلق.
ثانيا، انطلاق حملات التشويه المطردة ضده من أجل النيل من سمعته والسخر من أفكاره.
هناك الكثير من الناس المرتبطين بشكل مباشر أو غير مباشر بالنظام لمكافحة "عدو مشترك"، وقد شاركوا في هذه الحملات باستخدام كافة الوسائل المتاحة: من طباعة مواد وتسجيلات صوتية ومرئية ومواقع الإنترنت، وكل ذلك من أجل إبقاء الجمهور بعيداً عما وصفه البعض بأنها "وجهات نظر سامة".
والغريب أن هذه الهجمات في معظم الحالات على الرغم من كونها تتغذى على الشائعات غير المجدية والادعاءات التي لا أساس لها، فإن لها أثرها أحيانا حتى على بعض المؤلفين المرتبطين بمراكز بحوث معروفة (سنضرب أمثلة لبعضها لاحقا).
ثالثا، فرص الوصول إلى جمهور عريض تضاءلت على نطاق واسع منذ أن استعاد حريته في آذار/مارس 1978.
ولذلك، فعندما بدأ مجلة الجماعة بعد مرور عام، سرعان ما تم حظرها.
في عام 1983، قام بمحاولة أخرى وأصدر مجلة جديدة أسماها الصبح، لكن تم إيقافها مباشرة بعد صدور العدد الثاني.
نفس الشيء حدث لصحيفة الخطاب في كانون الثاني/يناير عام 1984.
وعندما حاولت جماعة العدل والإحسان في وقت لاحق تجاوز هذه الإجراءات التعسفية من خلال استخدام شبكة الإنترنت، تعرضت مواقعها للمنع والحصار على نحو متكرر، الأمر الذي نددت به مجموعات حقوقية محلية ودولية.
تراجعت السلطات لبعض الوقت لكن فقط لتضع استراتيجيات أخرى لمواصلة نفس السياسة غير الودية.
عرقلت هذه العواملُ وغيرُها مجتمعة نشر أفكار الإمام ياسين لا سيما خارج المغرب؛ غير أنه حتى الآن، وهذه من المفارقات، لم تفلح تلك العواملُ في منع حركته من التزايد بشكل مستمر ولم تستطع تقويض ندائِها.
ملاحضات حول أعمال وأسلوب الإمام عبد السلام ياسين
هناك نقاط عديدة يجب أخذها بعين الاعتبار لفهم جيد لكتابات الإمام ياسين.
1) ضرورة التأكد من موقفه النهائي بصدد الموضوع قيد البحث.
لقد كتب الإمام ياسين ما يزيد عن 40 كتابا بين نثر وشعر، بالعربية كما الإنجليزية، وترك لنا مئاتَ التسجيلات السمعية والبصرية، ومن المهم لكل باحث حريص على المعلومات الدقيقة أن يعرف كيف تتم قراءة كتابات الإمام.
سيكون خطأ، وهذا أمر شائع، أن يَقْصُرَ الباحث عمله على أحد كتب الإمام ثم يخلص إلى أن موقف الإمام من القضية قيد البحث يتجسد في ذلك الكتاب فقط.
يبقى كل شيء نسبيا؛ فقد يكون الأمر كذلك وقد لا يكون.
وبالتالي، يتعين على المرء أن يكون حذرا في استخدم المصدر الصحيح وعدم تقديم أية استنتاجات متسرعة.
2 ) ضرورة الانتباه إلى التسلسل الزمني لأعمال الإمام ياسين.
المسألة هنا هي أنه ينبغي للمرء ألا يلتفت إلى تاريخ النشر وإنما إلى التاريخ الذي تم فيه الانتهاء من العمل.
وهذا أمر مهم ليس فقط لمتابعة تطور فكر الإمام ياسين ولكن أيضا للتأكد من الموقف النهائي تجاه القضية قيد الفحص.
على سبيل المثال، كان الإمام ياسين في البداية ضد تعددية العمل الإسلامي.
وأعرب في ذلك الوقت عن اعتقاده أن على جميع الجماعات الإسلامية أن تتوحد تحت سقف واحدة.
هذا هو ما يقوله في الطبعة الأولى لأحد أهم كتبه المعنون بالمنهاج النبوي.
لكنه غيَّر رأيه بشأن هذه المسألة، إذ يقول في الطبعة الثانية من نفس الكتاب بأن التعددية مسموح بها وأنها أضحت لا مفر منها.
وهكذا، فإن استخدام النسخة الصحيحة أمر بالغ الأهمية لمعرفة الموقف الحقيقي.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن قضايا أخرى.
ولِنضربَ مثالا آخر، فإننا نقول إنه من الضروري أن يتوخى الباحث الحذر عندما يستند إلى الكتابات التي كتبت قبل عام 1977.
حيث تطورت العديد من أفكاره منذ ذلك الحين، وخاصة في المجال السياسي.
في ذلك الوقت غلب عليه النَفَسُ "الإصلاحي" لِـمَا كان يتوقع من مبادرة الملك إلى الإصلاح بدوره.
لكن عندما لم يحدث ما أَمَّلَهُ، قام بتغيير استراتيجيته.
وعليه، فإنه على الذين يركزون على الأعمال المنجزة في تلك الفترة لاستنباط آرائه السياسية أن يعرفوا أنهم قد يعتمدون على مصادر خاطئة.
وبنفس الطريقة ينبغي دراسة تكرار بعض عناوين الفصول في بعض مؤلفاته.
فتكرار العناوين لا يعني تطابق محتويات الفصل.
وعلاوة على ذلك، ينبغي عدم تجاهل تاريخ الانتهاء من التأليف لمعرفة ما كُتب أولاً وما كُتب في وقت لاحق، وما إذا كان ما كُتب في وقت لاحق يهدف إلى تعديل أو توضيح ما أثير في وقت سابق أو إلى مجرد تأكيد وجهة نظر سابقة مع نتائجَ أخرى جديدة.
3 ) الحاجة إلى الاهتمام بأسلوب كتابة الإمام ياسين:
القارئ اليقظ لا يسعه إلا أن يلاحظ تعدد المواضيع المطروقة في كتابات الإمام ياسين ولا سيما طريقة تناوله لها، وكذلك كيفية مخاطبته للجمهور والقراء.
السبب يرجع إلى دراسته للعديد من الثقافات واللغات واهتمامه بمختلف ميادين المعرفة، الإسلامية منها وغير الإسلامية.
ومع ذلك، فإن الجانب الأكثر إثارةً للدهشة في جميع أعمالهِ تركيزُه على ما يعتبره القضية الجوهرية المتعلقة بالإنسان، أي معنى وجوده ومصيره في الآخرة.
تركيزُه على هذه القضية دفعه إلى اتخاذِ مسافةٍ مما يعتبره خطابا فكريا جافا وانتهاجِ أسلوبِ كتابةٍ متعدد الأبعاد بدلاً من ذلك.
لقد آمن الإمام ياسين بأن لديه رسالة عليه تبليغها وبشكل فعال، وللقيام بذلك احتاج إلى صنوف من الكتابة مثل المحاججة والتحليل، والوصف والخطابة، والاقناع، والتحذير من الأخطار التي تحاصر الأمة والتبشير بصحوة العالم الإسلامي بعد قرون من التدهور.
حيث ساعده في ذلك كلِّه إجادته للغة العربية إجادة تامة، وذكاءه الحاد ومعرفته الواسعة (وكل هذه الصفات يمكن تلمسها بسهولة في كتاباته).
وهو ليس غافلا عن أساليب الكتابة المعتادة، لكنه استوحى أسلوبه الخاص مما أسماه الأسلوب القرآني.
وسواء ارتبط موضوع النقاش بالنظم الحديثة للحكم أم الاقتصاد أم التنمية أم أية قضية أخرى، فإنه لا يدع الفرصة تفلت دون أن يذكر قراءه بخالقهم ويدعوهم إلى التفكير جديا فيما سيجعل حياتهم أكثر معنى ويردم الهوة بين حياتهم في الدنيا والآخرة.
الإمام ياسين ومنتقديه
لقد أتيحت لي الفرصة للاطلاع على معظم الدراسات والمقالات التي قام بها مؤلفون من المغرب فضلا عن أماكن أخرى مثل أوروبا وآسيا والولايات المتحدة وكندا حول الإمام ياسين وجماعته.
بشكل عام، يمكن تصنيفها إلى فئتين:
بعض الكتاب حاولوا اتخاذ طريق وسط ليكون منصفين قدر الإمكان.
لقد بذلوا ما في وسعهم لجمع أكبر قدر من المعلومات رغم حاجز اللغة لغير الناطقين بالعربية، وقد تركوا كتاباتٍ جديرةً بالاحترام.
وسواء أاتفقتَ مع استنتاجاتهم أم لم تتفق، فإنك تشعر أنهم أخلصوا في عملهم ليفهموا موضوع البحث، ولم يفسدوا التحليل بالتحيز.
على النقيض من ذلك، تجد كُتابًا آخرين بعيدين كل البعد عن المعقول أو الموضوعية بكل المعايير.
لذلك تجد أعمالهم تعاني من عيوب خطيرة وموسومة بسمات غير علمية؛ سنذكر اثنين منها كمثال:
1 ) الأحكام المتسرعة والأفكار المسبقة:
لنأخذ المثال التالي:
في محاولة لإثبات أن الإمام ياسين كان "كلَّ شيء في جماعته"، أي أنه يتخذ كل القرارات والأتباع يقومون بمجرد تنفيذ أوامرِ سيدهم الذي كان يدير جماعته "كما لو أنها ضيعته الشخصية"، يقول أحد الباحثين أن الإمام ياسين كان "يرشح [كل] مسؤولي القطاعات والخلايا"
وهذا خطأ فادح يكشف عن تثاقل صارخ في البحث عن معلومات الكيفية التي تدير بها جماعة كبيرة عملها.
هل يعقل أن الإمام ياسين أو أي شخص آخر، بغض النظر عن مواهبه، يمكنه إدارة جماعة كبيرة مثل العدل والإحسان من تلقاء نفسه وتعيين الآلاف من الأشخاص لقيادة مجموعات صغيرة كل منها يتألف من عدد يتراوح بين خمسةِ إلى عشرةِ أشخاص.
حتى وإن فكر في هذا الأمر، فلقد كان من المستحيل عمليا بالنسبة له القيامُ به.
وعلاوة على ذلك، هذه قضية صغيرة ليس من المتوقع حتى لقائد منطقة/مقاطعة أن يتدخل فيها.
مثال ثان أشد غرابة من سابقه:
حاول أحد الباحثين، لسبب لا أزال أجهله حتى يومنا هذا، أن يُظهرأن هناك بعض نقاط التشابه تسترعي الاهتمام بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم والإمام ياسين.
قال إن الأول لديه ابنة وحيدة وكذلك الثاني، ثم انطلق يحلل بناء على وجه التشابه هذا.
ويبدو أن الرجل لم يكن على بينة من خلال هذه المقارنة الغريبة، فقد اختار أن يتجاهل حقيقة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لديه أربع بنات وثلاثة أبناء وليس بنتا واحدة، ونفس الشيء بالنسبة للإمام ياسين فإن له ثلاثَ بنات وثلاثةَ أبناء وكلهم لا يزالون على قيد الحياة.
يمكننا القول أنه خطأ مخز، خصوصا حين نعلم أن الحصول على المعلومات المطلوبة ليس صعبا أو بعيد المنال.
وعدم سعي الكاتب للمعلومات الصحيحة يلقي بظلال من الشك على براءة دوافعه.
2 ) الميل إلى الأخذ بتفسيرات لا أساس لها:
مثالان يفيان بالغرض:
في الأول يحاول بعض النقاد تفسير سبب كتابة الإمام ياسين رسالته الشهيرة "الإسلام أو الطوفان" إلى الملك الراحل الحسن الثاني.
إذ يزعمون أن ياسين كان تواقا للقيادة وأن السبيل الوحيد لتحقيق حلمه هي أن يخاطب الملك علنا وبطريقة قوية مثلما فعل.
وهذا من شأنه أن يساعده في الحصول على صورة "الرجل الصالح الذي يتحدى السلطان الجائر" لبناء الكاريزما اللازمة التي يحتاج لنجاحه السياسي.
على المرء حقا أن يضع عقله جانبا حتى يصدق مثل هذا الهراء! وكأن الكتابة إلى عاهل مثل الحسن الثاني وبطريقة واضحة وقوية كانت ممارسة ممتعة أو لعبة آمنة يمكن لأي شخص أن يخوضها دون خوف على حياته.
أترك المسألة لكم لتبدوا رأيكم فيها، خصوصا أولئك الذين يعرفون الحسن الثاني معرفة جيدة.
المثال الثاني هو من كتاب لأستاذة تونسية متخصصة في الفكر الإسلامي المعاصر والحياة بجامعة هارفارد (اسم كبير، أليس كذلك؟) وتوصف بأنها خبيرة في الإسلام والحركات الإسلامية.
إننا نشير إلى شخص ذي كفاءة عالية، ولكن لنرى كيف تترجم الجملة التالية من رسالة الإسلام أو الطوفان قبل أن تحاول شرح أهميتها لقرائها.
النص العربي مكتوب على النحو التالي:
إلى المولى الحسن بن محمد المبتلى بالجلوس على "عرش أجداده"
وهكذا تمت ترجمته:
To His Highness al-Hassan ibn Muhammad
إلى صاحب السمو الحسن بن محمد
tired from occupying (Italics mine) the “throne of his ancestors” المتعب من تَقَلُّدِ عرش أسلافه
هل يعقل هذا؟ هل سبق لك أن رأيت أو سمعت أن ملكا تعب من تقلد عرش أسلافه؟ ليته كان لدينا مثل هذا الملك! ما كنا لنكون قساة فَنَسْتَبْقِيَهُ رغما عنه.
هذه الأمثلة، وغيرها كثير، تُبين أنه عندما تنصرف النية لمهاجمة وتقويض أعمال الآخرين، فسوف يُستخدم أي شيء حتى لو كان غير مناسب أو غير ذي صلة.
أنا لا أتحدث هنا عن الصحافة الصفراء ولا عن وسائل الإعلام المغرضة، بل عن ظاهرة منتشرة على نطاق واسع جدا في المجال الأكاديمي حيث يُعَدُّ التَّحَوُّطُ والموضوعية سمتين بالغتي الأهمية.
لذلك، علينا أن نكون حذرين عندما نتعامل مع النقد غير المباشر، لأنه قد يكون رافضا أو داعما بلا مبرر، وفي كلتا الحالتين، فإن هذا لا يخدم البحث العلمي الرصين.
وفي الختام، لقد عرض الإمام ياسين رؤيةً للإصلاح الشامل تحتاج إلى من يسبر غورها نظرا للدعم المتزايد الذي تتمتع به في المغرب.
ولكي نضمن فهما جيدا لهذه الرؤية فإن هناك أساسيات ينبغي الأخذ بها:
أولا، على الباحث أن يعرف أي المصادر يعتمد وكيف يستقي المعلومات؛
ثانيا، بعض الاحتراس واجب كيلا نسقط في التأويلات الخاطئة والتحيز سواء المقصود أو غير المقصود.
شكرا لكم.
ترجمة الأستاذ ياسين هشام